موقع محمد أسليـم
الإصدار الثالث، غشت 2012
|
|
|||||||||||||
د. هلا الحلبي: بسمة بين سحر الخرافة والنجوم الشاردة. قراءة في شعر بسمة الصيادي: مِعطف الرماد جسد الضوء
مِعطفٌ من ضوء الكلمات تدرّجت عكس الزمن لتحاصرَ رمادَه، وتخطَّ على خجلٍ صفحاتٍ صفراء لا تخلو من نفسٍ رومنطيقيٍّ مازوشيٍّ، من قصائدِ شاعرةٍ واعدة، تحاول أن تقارب الموجودات وتتلمّس نفسها، في منظومة الكون، وهي وترسم حدودها مع الآخرين، مع الزمان والمكان والآخر، ضمن قصائدَ مدوّرة أتقنت بناءها في بديهةٍ شاعرة، بعد نصف قرن من انطلاق القصيدة الحديثة مع الروّاد العراقيّين.
به جنةٌ بل نارُ وجدٍ تَلَهَّبُ *** نَعَمْ كلُّ من يُوحَى إليه معذّبُ
فالشاعر هنا يجمع الاثنين: الموهبة الشعريّة وحسّ العذاب / العذوبة لا فرق. وكأنّه ساحر يعبث بالكلمات وينسج منها الحقائق ويحقّق عمليّة الكشف الشعريّ، فيُخرج من قبّعته الشعريّة ما تسعه شاحنة، وتتشكّل الصور من تزاوجٍ جديدٍ في الكلمات: يخرج المعنى الجديد – القديم، من رحم الكلمة الموروثة.
أحرث به الفراغ القاتل كمن يحفر قبره في صمت أشتاق ولا أدري لمن؟ (ص135)
زمن بسمة زمنٌ تتوغّل تحت لحافه، لتسجّل تحوّلات الليل الذي لجأت إليه، شأنَ مجنون ليلى الذي قال:
نهاري نهارُ الناس حتّى إذا بدا *** ليَ الليلُ هزّتني إليكِ المضاجعُ
وغدا معها الليل ليلَيْن: ليل العاشقين والوَلَه، وليل النجم الشريد والشرود في فيافي العتمة. تقول:
أفتح النافذة ليتعانق الليلان: ليلي وليل النجم الشريدخيبتي ذاكرتي حضّرتُ شياطينها بيدي الفأس انهال على قلاعي أدليت بجميع اعترافاتي سقطت راية النسيان (ص140-141 )
لم يعد هذا الليل للحالمين غرباء في حضنك يا مساء الوجود (ص138)
طوى الليل لحافه سحب وساداتِه وتركني أتقلّب على فراش الهواء (ص164) غربةٌ تلمع في الليل وظهورٌ للماضي مخيف، هنا ظهرت الأمّ بشكلٍ حالم، تحاول الشاعرة الإمساك بها على أمل أن تنتشلها من معمعة هذا الوجود؛ تقول:
فكّي أزرار الاختناق جرّدي ثياب الخرافات منّي رويدك أمّاه فريسةٌ أنا لعنكبوت الظلام أحيي الليالي أنا أنا الميْتُ أحييها (ص165)
ألبَسوني اسمي رغماً عنّي لمَ أصرّوا على صراخي؟ كنت قبلها أحلم أن أغنّي (ص 134)
وها هي تعترف:
أنا ما زلت أنا حتّى بعد سفري عن ذاتي لا زال البحر يميّزني عن باقي قطيع الموج (ص146)
فأيّ موجٍ وأيّ آخر تراه؟:
بقسوة سأشتاقك وأبكيك دموعاً من حجر وأعيد قتلك آلاف المرّات ملامحك المنثورة حولي كحبيبات ماسٍ ونور (ص139)
وكأنّها وسط هذا القلق وهذا الضياع، يلوح الآخر متنفّساً ولكن أيُّ متنفّس؟ يبدو الآخر عصاً أو قل قشةً في ليلها الغارق بالأنين:
ها هو يده يسحبني ينتزع شيئاً منّي يتركه ذكرى للنسيان (ص153)
هو لا مبالٍ بارد لا يولد فيها إلّا الغصّة تناديه فهل يسمع؟:
أناديك بصوتي بصمتي وعلى لحن خطاك الهاربة أغنّي ويمزّقني صفير قطار لا يأتي (ص178)
بدا الآخر شبحاً هارباً حائراً زاد حيرتها حيرةً وقلقها قلقاً، وكأنّه شبيه بحصان امرئ القيس:
مِكرٍّ مِفرٍّ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً *** كجلمود صخرٍ حطّه السيلُ من علِ
قد حطّه الدهر حبيباً في دربها الغارق، حلماً مستحيلاً ليصهل حصاناً وحيداً في روابي حبّها. وها هي تخاطبه:
إخلع عنك معطف الرحيل ودثّرني أرهقَني بردُ السنين (ص167)
وتبدو متبرّمة من لقاءاتٍ باردة:
زرٌّ أخضر.. نلتقي زرٌّ أحمر ننتهي كيف يتقيّد حبٌّ بإشارة مرور وأمضي نحو عزلتي؟ (ص111)
وكأنه حبٌّ يتقيّد بقوانين المرور، وتحكمه المظاهر، وتسوده برودةٌ لافتة.
فما عليها إلّا أن ترتدي السواد وتترحّل من حدادٍ إلى آخر، فأين ينتهي بها المطاف؟ وها هي تصرخ:
كيف أنتشل جثّتي؟ (ص122)
وللطريق وقعٌ خاص في ترنيمات بسمة؛ فقد امتزجت به ذاكرةً، وكأنّه امتدادُها المكانيّ، وجزءاً من تاريخه الطويل الذي ينتهي بمرورها فوقه. تقول:
كم مصباحاً سلبتك الأزقّة؟ لتنير درب القطط الشاردة؟ (ص159)
ليلٌ سحب منها الفراش والغطاء والوسادة، وصمتٌ وقلقٌ؛ فيا عزيزتي، يقول أحدهم: كوني جميلةً واصمتي، إلّا أنّي أقول لك، أنتِ جميلة وتصبحين أكثر جمالاً عندما تتحدّثين، فكوني جميلةً وغرّدي، فالسماء واعدةٌ والمطر آتٍ آت..
د. هلا الحلبي طرابلس، في 6 حزيران 2014 الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 02-07-2014 06:15 مساء الزوار: 2530 التعليقات: 0
|
![]() |
|
|||||||||
الآراء الواردة في مواد ضيوف الموقع ومجلته لا تمثل رأي صاحب الموقع بالضرورة، ويتحمل كتابها وحدهم جميع المسؤوليات المترتبة عليها |
||||||||||
موقع محمد أسليـم - الإصدار 3 @ غشت 2012 |
||||||||||
|