إذا تصفَّحنا المقالات والدراسات التي تُكتَبُ في المغرب اليوم حول السِّحر والخفي عموما وجَدناها، على قلتها لا تحيد - إلا في حالات نادرة جدا - عن أحد توجهين:
يعتبر السِّحْر واحدا من الممارسات التي تطالها رقابة مزدوجة في المغرب: فالإسلام يرى فيه ردة وكفرا، والحداثة تختزله إلى ممارسة مخجلة أو مظهر للسذاجة والشعوذة. غير أن فيما وراء هذا النَّبذ - المكرَّس على مستوى البحث أيضا - يمكن طرح تساؤلات عدة منها: لماذا يلجأ فردٌ مَّا إلى السِّحر؟ أي شيء يودُّ التعبير عنه شخصٌ ما عندما يؤكد أنه مسْحُور؟ أي أنواع الخطاب يستدعي الشخص المسحور لإعطاء شكل لأزمته؟
كان شهران قد انصرما عن استقراري في المنزل الذي ستدور فيه الوقائع التالية، دون أن أعرف بالضبط من كان يقطن الغرفة المجاورة لغرفتي. إذ كان يتردَّد عليها يوميا دركيّ وثلاثة جنود وشخص مَدَني، كلهم عزَّب، بالإضافة إلى فتيات. ذات يوم جاء أحدهم ليستعير مني شريطا موسيقيا، ثم دعاني لشرب فنجان قهوة.
ربما يستقطب البحث في موضوع السحر والخفي عموما، داخل المجال العربي، العنصر النسوي أكثر من نظيره الذكوري[1] وإذا كان في النتائج التي تتوصل إليها هذه الأبحاث بصفة عامة ما يبرر هذا الانشغال، حيث يتم الحرص على إبراز الوضع الدوني للمرأة في المجتمعات العربية ما لم يُنظر إلى تعاطي المرأة للسحر باعتباره نوعا من اللجوء إلى سلطة خفية يتيح للمرأة الدفاع عن نفسها والاسترجاع السري لما ينتزع منها علنا[2]،
موضوع الصفحات الحالية تشَكُّل الخطاب حول الثقافة الشَّعبية، من خلال فحص ما تدُلُّ عليه مصطلحات «ثقافة» و«شعب» و«متخيل»، وذلك على ثلاث مراحل: في الأولى سنثير مسألة المفارقة التي تطبع الخطاب حول الثَّقافة الشعبية، وفي الثانية سنبيِّنُ أن هذا الخطاب يتكئ على إرث مزدوج: